لقاء مع د. عزمي بشارة بعد 100 يوم من الحرب: اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعيّة وتوسّع الحرب

ردا على الادعاء الإسرائيلي بأن الكلام على الإبادة الجماعية مجرد تصريحات لا خطة مدروسة، أوضح بشارة أن الإبادة لا تلزمها خطة منشورة، بل يكفي توفر النية والقصد بإبادة مجموعة ثقافية أو عرقية أو دينية أو جزء منها.

لقاء مع د. عزمي بشارة بعد 100 يوم من الحرب: اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعيّة وتوسّع الحرب

د. عزمي بشارة خلال الحوار

قال المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، د. عزمي بشارة، خلال حوار أُجري معه عبر "التلفزيون العربي"، مساء الأحد، إن ما تطرحه إسرائيل بشأن اليوم التالي للحرب على غزة؛ استمرار للحرب بوسائل أخرى، وتوقَّع في ما يتعلّق بتطورات البحر الأحمر، أن يحصل تصعيد لقواعد الاشتباك بين أميركا والغرب من جهة، والحوثيين وإيران من خلفهم من جهة ثانية، من دون الدخول في حرب.

وفي حين أكّد بشارة على أن عدم تبديد تضحيات الغزيين يكون بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، لا بإحياء ما تضمنه اتفاق أوسلو بعد ثلاثين عاما من فشله، لناحية الإدارات الذاتية خصوصا، فإنه نفى أن تكون دولة قطر قد طرحت في أي من مبادراتها إخراج قادة حماس من غزة بحسب زعم وسائل إعلام إسرائيلية.

و أشار بشارة خلال حديثه عن دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في لاهاي، إلى أن المرافعة الدفاعية الإسرائيلية أحرجت مصر باتهامها فعليا بتجويع الغزيين ومحاصرتهم، مشددا على أن الرد المصري في هذه الحالة كان يجب أن يكون عمليا وفوريا، وهو فتح المعبر.

الدعوى بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة

ورأى بشارة أن دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بلاهاي بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة، أو النية بارتكابها؛ حدث مهم جدا يستحق المتابعة لأن إسرائيل لطالما قدمت نفسها تاريخيا على أنها نتاج إبادة جماعية (الهولوكوست).

ولفت إلى أنه لطالما وضع الإسرائيليون أنفسهم في خانة الدول الديمقراطية المتنورة التي لا ترتكب إبادات جماعية، بالتالي فإنّ وجودهم أمام المحكمة حالة خاصة وجديدة بعدما قاطعوا محاكمة جدار الفصل العنصري في لاهاي أيضا عام 2004، فضلا عن القيمة الرمزية لكون جنوب أفريقيا هي المدعية، بما هي دولة عانت عقودا من الأبارتهايد.

ووصف المرافعات الثلاث لجنوب أفريقيا بأنها وثيقة تاريخية مهمة جدا، تلخص الانتهاكات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني. وأشار إلى أن جزءا من أهميته ينبع من اعتبار المرافعات الثلاث للدولة المدعية تنطلق من أن ما يجري في غزة جزء من صيرورة تاريخية، لم يبدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

وردا على الادعاء الإسرائيلي بأن الكلام على الإبادة الجماعية مجرد تصريحات لا خطة مدروسة، أوضح بشارة أن الإبادة لا تلزمها خطة منشورة، بل يكفي توفر النية والقصد بإبادة مجموعة ثقافية أو عرقية أو دينية أو جزء منها.

وعن السيناريوهات المتوقعة لقرارات القضاة الـ15، أعرب بشارة عن رأيه بأن الخشية من التسييس عند البعض مفهومة، ذلك أن أوروبا مثلا ممثلة في عدد قضاة المحكمة بشكل غير متناسب مع وزنها وجغرافيتها وعدد سكانها، مقارنة مع قارات وبلدان أخرى آسيوية وأفريقية وأميركية لاتينية.

واستبعد رفض الدعوى بشكل كامل، لأن المطلوب من قبل بريتوريا ليس إثبات حصول إبادة، بل إثبات شبهة جدية بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وهذا أمر وارد أن يتبناه القرار الأولي للقضاة.

ووفق رأي بشارة، فإن لم يأمر القضاة بوقف فوري للحرب، من الممكن جدا أن يقروا مجموعة من التدابير التسعة التي طالبت جنوب أفريقيا بها، مثل إعادة سكان غزة إلى منازلهم وإعادة فتح المستشفيات ووقف قتل المدنيين.

وتوقف بشارة عند رمزية جنوب أفريقيا الرئيسية بأنها من آخر الدول التي رزحت تحت الإرث الاستعماري الكولونيالي، لذلك فهي تحتل مكانة رفيعة في حركة التضامن العالمي لأن فلسطين هي آخر قضية استعمارية اليوم، ووجود إسرائيل في مقابل هؤلاء يجعلها في مقابل حركة ديمقراطية عالمية على حد تعبير بشارة.

وعن أسباب إقدام جنوب أفريقيا على خطوة مقاضاة دولة الاحتلال، ذكّر بشارة بمجموعة من المعطيات الأخلاقية والسياسية، منها أن جنوب أفريقيا تريد أن تكون قوة قائدة في أفريقيا "وخصمها في ذلك هو إسرائيل وهذا تجلى مراراً في الاتحاد الأفريقي".

ولفت المفكر العربي إلى مفارقة أن معظم أفراد الفريق القانوني الإسرائيلي يأتون من اليسار وأنهم لطالما كانوا ضد سياسات الاحتلال وبعضهم مؤيد لإنشاء دولة فلسطينية، ولكنهم يستعيدون وحدتهم عندما يتعلق الأمر بمصلحة إسرائيل. وعزا سبب اختيار هؤلاء إلى رغبة الحكومة الإسرائيلية بأن تكون روايتها مقبولة دوليا.

وفي تقييمه لمرافعات الادعاء والدفاع، لم يوافق بشارة على الرأي الذي يفيد بأن دفاع إسرائيل كان ضعيفا في المحكمة، وهذا يندرج في خانة أنهم يعرفون تاريخيا كيف يروجون لرواياتهم، ولكنه اعتبر أن مرافعة جنوب أفريقيا كانت أقوى. وعن السجال حول أهمية مشاركة دول عربية في دعوى جنوب أفريقية من عدمه، اعتبر بشارة أن لا مفاجأة في الغياب العربي عن دعم جنوب أفريقيا في دعواها. واستدرك بأنه "ربما كان أفضل ألا تشارك دول عربية في الدعوى أولا لأن كل حركتهم ستكون محكومة بالضغط الأميركي، ثم لأنه سيُثار عالميا نقاش يفيد بأن سلطات هذه البلدان نفسها ارتكبت جرائم قتل جماعية، لذلك من هذه الناحية الأخلاقية، كان مفضلا أن تغيب الدول العربية".

"اليوم التالي"؛ "استمرار للحرب بوسائل أخرى"

وقال بشارة إنه لكي نخرج سياسيا بنتيجة تليق بحجم التضحيات التي يقدمها الفلسطينيون في غزة، على القيادات الفلسطينية تغيير نمط تفكيرها بشكل تخرج السلطة الفلسطينية من دوامة التفكير بما يخدم حماس أو يضعفها في حسابات اليوم التالي. واعتبر أن العودة إلى أفكار تطرحها إسرائيل لـ"اليوم التالي" على الحرب مثل روابط القرى والسلطات المحلية والإدارات الذاتية هو ذروة العبثية وتبديد لكل هذه التضحيات بعد كل ما تحقق وهو كبير.

وعدّد بعض ما تحقق مثل أن قضية فلسطين أمست قضية عالمية، تلتف حولها حركة تضامن عالمية كبيرة جدا، في انتظار انتهاء الحرب وما سيحصل من نقاشات إسرائيلية كبيرة وأزمات هجرة من هناك، وتساؤلات جدية عن احتلال الضفة وغزة.

وفي هذا السياق، أوضح أن ما تطرحه إسرائيل لـ"اليوم التالي"، هو "استمرار للحرب بوسائل أخرى" لأن المطروح إرساء إدارات محلية في غزة بدعم عربي ودولي وإشراف أمني إسرائيلي، وجزم بأن في جميع الفصائل هناك من يعي هذه الحقيقة.

وتساءل بشارة في هذا السياق: الدول العربية التي تُطرح كراعية لهذا المشروع، لماذا لا ترد نفيا لمشاركتها ورفضاً لأي إملاء على الشعب الفلسطيني؟ كما لفت إلى أن الموقف الأميركي الرافض للعديد من بنود مشروع إسرائيل لليوم التالي، أقوى من الردود العربية الحكومية.

وللحؤول دون تبديد التضحيات، أضاف بشارة أن الحل يبدأ بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتضم الجميع بشكل يواجه الطرح الإسرائيلي لليوم التالي لا بتكرار فشل أوسلو بعد ثلاثين عاما، عبر إنشاء سلطة مدنية في غزة وإدارات محلية وروابط قرى تُبقي عمليا على الاحتلال وتحرس مصالحه.

هل من تغيُّر في الموقف الأميركيّ؟

وفي محور الموقف الأميركي إزاء الحرب وإسرائيل عموما، وعما إذا كان هناك فعلا تعديل في هذا الموقف، فقد رأى بشارة أنه "تغيير من ضمن التحالف مع إسرائيل"، وتوقع أن تستمر واشنطن في دعم أهداف الحرب مع أنه بدأ ينفد صبر المسؤولين الأميركيين من الابتزاز الإسرائيلي المتواصل، فضلا عن تغييرات طفيفة في ما يتعلق بمراحل الحرب، وإدخال المساعدات، والإصرار على التخلص من وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

وأكد بشارة أن القضاء على القوة العسكرية لـ"حماس" لا يزال هدفا مشتركا بين أميركا وإسرائيل.

وفي ما يتصل بالتطورات الحربية المتوقعة في القطاع، ذكر بشارة أن "نمط الحرب الحالي سيتغير عندما ينتهون (الإسرائيليون) من خانيونس، وهو ما قد يحصل في نهاية كانون الثاني/ يناير أو منتصف شباط/ فبراير".

وعما زعمته وسائل إعلام عبرية تعكس ربما رغبات حكومية إسرائيلية، عن أن دولة قطر تطرح مشروعاً يتضمن إبرام هدن متواصلة تنتهي بوقف نهائي للحرب في مقابل خروج قادة "حماس" من غزة، كشف بشارة أن هذا البند الأخير لم تطرحه دولة قطر بتاتاً، بل أميركا تطرحه منذ نحو أسبوعين، "وقد اخترعوا (الإسرائيليون) هذه الأكذوبة ليشغلوا الناس بأفكار وهمية" وفق مصطلحات بشارة.

اتهام إسرائيل لمصر بتجويع الغزيين

وعاد بشارة في معرض رده على سؤال إلى مرافعة الفريق القانوني الممثل لتل أبيب، وذكّر بأنه تضمن ادعاء محرجا جدا لمصر، عندما اتهمها عمليا بمحاصرة الغزيين وتجويعهم، كونها هي من لا ترسل المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح الخاضع لسيادتها.

وجزم بشارة بأن الرد المصري "كان يجب أن يكون فوريا وعمليا بفتح المعبر أمام شاحنات الإغاثة".

وعلى حد تعبيره، فإن "الخوف في مصر غير مبرر لأن إسرائيل لن تقدم بأي حال على قصف شاحنات عليها علم مصر" لو تم إدخالها إلى غزة.

كما أسف بشارة إلى أن مصر لا تزال تتعامل حتى في هذه الظروف مع غزة "من منطق شدّ ورخي، وهناك أمور لا تليق بحجم دولة عربية مثل مصر تتمثل في فرض أن يدفع الفلسطينيون أموالا" للخروج من قطاع غزة والدخول إليه.

وخلص إلى أنه "معيب أنه بعد هذا التصريح الإسرائيلي، يتواصل إرسال الشاحنات من المعبر المصري إلى المعبر الإسرائيلي" لتفتيشها.

البحر الأحمر؛ "تصعيد قواعد الاشتباك" الأميركيّ ــ الإيرانيّ

أما بالنسبة لتطورات البحر الأحمر، فقد سخر بشارة من الموقف الأميركي ــ البريطاني بأن الحوثيين ليست لهم علاقة بفلسطين وكأنهم هم لهم علاقة.

وقال في هذا السياق إن الدور الإيراني والصراع الإقليمي والارتباط الحوثي بمصالح إيران كلها أمور واضحة في تطورات البحر الأحمر، ولكن في النهاية مطلب الحوثيين واقعي بحسب بشارة: فكوا الحصار عن غزة يتوقف الحصار عن البحر الأحمر.

وجزم بشارة بأن لا أميركا الآن تريد حربا مع إيران في سنة انتخابات، ولا إيران تريدها. في المقابل إيران توسع نفوذها بجماعات مسلحة في كل البلدان العربية، لكن الأرجح أن تبقى الضربات الأميركية ــ البريطانية عبارة عن ردود فعل على ما يقوم به الحوثيون من دون أن تتحول إلى حرب إقليمية.

واختصر المعادلة بأنه يُتوقع "تصعيد قواعد الاشتباك (الأميركي ــ الإيراني) من دون الدخول في حرب".

وكان د. بشارة قد أكّد في الحوار الأخير الذي أُجري معه، أن إسرائيل لم تحقق أهدافها العسكرية المُعلَنة في القطاع، لافتا إلى أن الإجماع الإسرائيلي على الحرب، لا يزال قائما، رغم ظهور خلافات بين المستويين السياسي والعسكري.

وفي حين رأى بشارة أن أميركا بدأت تطلب من إسرائيل الانتقال سريعا إلى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة، فإنه لم يجد تغييرا حقيقيا في الموقف الأميركي يتعلق بأهداف الحرب وبالدعم المطلق لتل أبيب. أمام الموقف الروسي، فقد وصفه بـ"الانتهازي"، مشددا على أن الاحتلال لم يحقق أهدافا عسكرية حقيقية حتى الآن.

وفي ما يتعلّق بمخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، حذّر بشارة من أن أي تهجير في الحالة الفلسطينية راهنا ومستقبلا، سيكون قسريا.

التعليقات